1. مقدّمة
في زمن الروح الذي
ينعش الكنيسة الكاثوليكية بعد إعلان سنة الإيمان والتئام جمعية سينودس الأساقفة في
روما الخاص بموضوع الكرازة الجديدة من أجل نقل الإيمان المسيحي لمناسبة الذكرى
الخمسين على افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني،
ومن أجل العمل على
تقبّل وتطبيق الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة"
الذي سلّمه لنا خارطة طريق قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته الى
لبنان في 14 أيلول/سبتمبر الفائت،
اجتمعنا نحن
بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط الكاثوليك، في مؤتمرنا الثاني، في دار بيت عنيا
بالقرب من مزار السيّدة العذراء مريم والدة الإله وأم الكنيسة وسيّدة لبنان من 3
الى 5 كانون الأول/ديسمبر 2012.
أتينا، باسم
كنائسنا في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص ومصر والعراق وإيران ودول
الخليج، حاملين معنا هموم شعوبنا وبلداننا ومعاناتها وتطلعاتها، لنجدّد إيماننا
بالله الواحد الآب والابن والروح القدس، إله المحبة، وبكنيسة المسيح الواحدة
الجامعة المقدّسة الرسولية. وقد هدفنا الى أن نتدارس، انطلاقًا من واقع كنائسنا
والتحديات التي تواجهها، كيفية عيش الشركة في ما بيننا أولاً، ثمّ مع إخوتنا المسيحيين
غير الكاثوليك، ومع مواطنينا من غير المسيحيين لكي نتوصل الى أن نؤدّي معًا شهادة
مسيحية بعيش وحدتنا وقيمنا في مجتمعاتنا وأوطاننا ومع شعوب منطقتنا.
2. في الواقع والتحديات
تعيش مجتمعاتنا
حالةً من الاضطراب والقلق وعدم الاستقرار وتواجه تحدّيات جمّة. وفي الوقت عينه تسكنها
آمال وطموحات كثيرة. وقد عبّرنا عن هذا الواقع ورأينا أنّ أبناءنا يعانون تهميشًا
متعمّدًا في بعض بلدانهم، يظهر في عدم احترام لحقوقهم وكرامتهم كمواطنين أصليين
ومتساوين مع إخوتهم في المواطنية، كما يُعانون ضغوطًا سياسية واقتصادية واجتماعية،
ويُمنعون من التعبير الحرّ عن آرائهم ومعتقداتهم، ما يحملهم مكرهين على الهجرة الى
أرض جديدة تؤمّن لهم الحرية والعيش الكريم.
كما عبّرنا، في
المقابل، عن شجاعة مؤمنينا الذين يصمدون في أرض أجدادهم ويواجهون بشجاعة وإيمان
ورجاء كل ّالتحدّيات اليومية، حتى الاستشهاد أحيانًا؛ وعن الدينامية الروحية التي
يختبرونها والالتزام الكنسي الذي يعيشونه في سبيل الحرية والكرامة وبناء مجتمعات
ديمقراطية مبنية على السلم الأهلي وحقوق الإنسان.
3. في عيش الشركة في ما بيننا
كنائسنا في الشرق
الأوسط نشأت على "الأرض التي اختارها الله بطريقة فريدة وسار عليها الآباء
والأنبياء. فكانت المكان الذي تجسّد فيه المسيح ورأت ارتفاع صليب المخلّص، وكانت
شاهدة على قيامته من الموت وعلى حلول الروح القدس" (إرشاد، عدد 8). وهي كنائس
الرسل والمسيحيين الأولين التي تحمل تاريخهم وتراثهم وتعيش الشركة في المواظبة على
المشاركة في كسر الخبز والصلاة وتعليم الرسل والتضامن.
ولأنّ
"الشركة، من منظار الإيمان المسيحي، هي حياة الله نفسها الذي يُعطيها لنا
بالروح القدس بواسطة يسوع المسيح" (إرشاد عدد 3)، فإنّ كنائسنا مدعوّة – رعاةً
وإكليروسًا وعلمانيين – الى تجدّد روحيّ يُعيدها الى دعوتها الأولى مستندًا الى
كلمة الله والصلاة والحياة الليتورجية والأسرارية.
ولأنّ
"الشركة هي بطبيعتها جامعةٌ لكون أصولها إلهية... وهي مُلزمةٌ للمسيحيين
بدافع إيمانهم الرسوليّ المشترك" (إرشاد عدد 3) فإننا جميعنا مدعوون الى
توبةٍ صادقة وتغيير في الذهنيات وطرق التعاطي بحيث نُميت فينا كلّ أنانية وخوف
وتقوقع ونعزّز روح الشركة لنتطلّع معًا الى مستقبلنا الواحد ومصيرنا المشترك.
وهذا ما يرتّب
علينا تفعيل الشركة في ما بيننا نحن البطاركة والأساقفة في إطار مجلس بطاركة الشرق
الكاثوليك وأساقفتهم ومختلف السينودسات البطريركية والمحلية، وكذلك بيننا وبين
أبنائنا المؤمنين في مجمل كنائسنا الشرق أوسطية وتشجيع المبادرات التي تخدم هذا
الهدف.
4. في عيش الشركة مع إخوتنا المسيحيين
استنادًا الى
تعاليم الكنيسة وبخاصة المجمع الفاتيكاني الثاني والى العمل الدؤوب في سبيل الوحدة
الذي قامت به الكنيسة الكاثوليكية في الخمسين سنةً الأخيرة، جدّدنا التزامنا بهذا
"الجهد المهم والمتواصل من أجل تعزيز الوحدة، في إطار غنى كلّ جماعة، بغية
توطيد إعلان الإنجيل والشهادة المسيحية" (إرشاد، عدد 11).
لذا فإننا سنعمل
على مضاعفة عيش الشركة في تنوّع تقاليدنا في "الاعتراف بالآخر واحترامه
والانفتاح على الحوار في الحقيقة" (إرشاد، عدد 12).
وسنسهر على تنمية
"المسكونية الروحية" في كلّ مجالات عملنا الرعوي، وهي القائمة على
الصلاة المشتركة و"الأمانة التقوية للتقاليد الشرقية القديمة" وتنمية
"مسكونية الخدمة" (إرشاد، عدد 15) في المجالات الاجتماعية كافة ومنها
التربوية والصحية.
تفعيلاً لهذه
الشركة، ندعو أبناءنا الى التعمّق في تراث آباء الكنيسة الشرقيين والغربيين
ومضاعفة المبادرات الدينية والثقافية على مستوى الرعايا والأبرشيات وسائر المؤسسات
الكنسية وفي طليعتها مجلس كنائس الشرق الأوسط.
5. في عيش الشهادة مع المؤمنين من الديانات الأخرى
إنّنا على يقين
بأنّ الحوار مع المؤمنين من الديانات الأخرى يستند قبل كلّ شيء إلى أُسُس لاهوتيّة
مرتبطة بالإيمان وقد حدّدت الكنيسة علاقاتها مع الديانات غير المسيحيّة حيث تجمعنا
بأبنائها "الرغبة في وحدة تناغم العائلة البشريّة"، وحيث يقدّم كلّ منّا
"شهادة جميلة للصفاء والمودّة بين أبناء ابراهيم" (إرشاد، عدد 19).
ولأنّ شهادتنا في هذا الشرق المعاني مرتبطةٌ بالشركة التي نعيشها معًا في أخوّة
بين المسيحيين ومع المسلمين واليهود، فإنّ على كلّ منّا أن يسهم في تألّق هذا
اللقاء السلميّ والسليم، "فهذا من صلب دعوتنا وفي معنى وجودنا ولأجله أبقتنا
العناية الإلهية في هذا الشرق".
لذا فإنّنا نشجّع
أبناءنا المؤمنين على عيش هذا الحوار وعلى المشاركة التامة في حياة أوطانهم والعمل
على بنائها ولا سيّما أنّهم "كانوا من روّاد النهضة العربية، وكانوا جزءاً لا
يتجزأ من الحياة الثقافية اليوم وعلى الدوام، في مقاسمة خبراتهم مع المسلمين مقدّمين
اسهاماتهم الخاصة" (إرشاد، عدد 25).
ونشدّد في هذا
السياق على تحقيق الكرامة الإنسانيّة التي هي المصدر الأساسي للحقوق والواجبات
والتي ليست حكراً على المسيحيّين دون سواهم بل هي عامل وحدة بين أبناء الديانات
التوحيديّة الثلاث.
وإنّنا إذ نؤكّد
على ما قاله قداسة البابا من " أنّ الحرية الدينيّة هي تاج كلّ الحريات،
وأنها حقّ مقدّس غير قابل للتفاوض" (إرشاد، عدد 26)، ندعو شعوب أوطاننا
المشرقيّة إلى "الانتقال من التسامح الديني إلى الحريّة الدينيّة"
(إرشاد، عدد 27) والى حرية الضمير و"حرية اختيار الديانة التي يرتأي الشخص أنّها
صحيحة والتعبير علانية عن هذا المعتقد" (إرشاد، عدد 26)؛ كما نؤكّد انّه
باستطاعة مؤمني الأديان أن تلتقي لخدمة الخير العام وللمساهمة في تنمية كلّ شخص
وفي بناء المجتمع"، كما ندعو أبناءنا إلى تعميق وتعميمها ثقافة الحوار والى متابعة
حوار الحياة اليوميّة، وهم يدركون غنى هذا الحوار وفوائده وأبعاده وحدوده.
6. في التجدّد وبناء السلام
كي تصبح كنائسنا
بالفعل مساحة شركة وشهادة، نؤكّد على أولويّة التجدّد الروحي الذي لا بدّ أن يطال
الأشخاص – البطاركة والاساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمكرّسين والمكرّسات
والعلمانيّين والعلمانيات والعائلة والمرأة والحركات الرسولية والشباب والاطفال –
وعلى ضرورة التجديد الذي تحتاج إليه البنى والهيكليّات الكنسيّة.
هذا التجدّد
يترافق مع الشهادة لإيماننا في زمن الكرازة الجديدة ولخدمة المحبّة التي تشكّل جوهر
رسالتنا كمسيحيّين.
وإنّنا إذ نعوّل
على وعي أبنائنا وبناتنا، وعلى حيويّة مؤسّساتنا ومنظّماتنا الرسوليّة وأجهزتنا
التربويّة والاجتماعيّة والصحيّة، وعلى وسائل إعلامنا وسائر تقنيات التواصل
الاجتماعي، ندعوها كلّها إلى متابعة التزامها الراسخ والى عيش مسيحيّتها في قلب
مجتمعاتنا الشرق أوسطيّة علامة لإيمانها وشهادة صادقة للقِيَم الإنجيليّة.
وبما انّ
"السلام هو حالة الإنسان الذي يعيش بتناغم مع الله، ومع ذاته، ومع قريبه ومع
الطبيعة" (ارشاد عدد 9)، فإنّنا نهيب بجميع المواطنين في بلداننا أن يعملوا
معاً على نبذ العنف والتعصّب وكلّ اشكال التطرّف من أجل بناء السلام الحقيقي
والدائم "لبلوغ الطمأنينة التامة" التي تضعنا في قلب الله.
7.
اقتراحات وتوصيات
وإنّنا، بعد
المداخلات والمناقشات، نتبنّى الاقتراحات والتوصيات التالية:
أ)
إدخال
مناهج تتعلّق بالثقافة المعلوماتيّة والرقميّة وبأخلاقيّات الإنترنت إلى برامج المعاهد
الإكليريكيّة وكليات اللاهوت والجامعات الكاثوليكيّة والمدارس توصّلاً إلى نهضة
إعلاميّة ملائمة في خدمة الرسالة الإنجيليّة.
ب)
تشجيع
كوادر في الكنيسة على التخصص في الإعلام وفي سائر شبكات التواصل الاجتماعي.
ج)
تشجيع
وسائل الإعلام المسيحية ودعمها بشتّى الوسائل.
د)
التمنّي
على مجلس كنائس الشرق الاوسط الدعوة إلى مؤتمر نتدارس فيه وضعنا المسيحي في الشرق
الأوسط وكيفية تأدية الشهادة في بلداننا ومع مواطنينا غير المسيحيين.
ه)
تشجيع
السياحة الدينيّة والحج كمسيرة إيمان وتوبة واكتشاف التراث المشرقي.
و)
تأمين
تنشئة لاهوتية وكنسية وثقافية لكوادر العمل الراعوي في كنائسنا.
ز)
الطلب
من رابطة كاريتاس الشرق الاوسط وافريقيا الشمالية MONA دراسة إحصائية حول خدمة المحبة
والعمل الاجتماعي في كنائسنا لاجل طبع دليل بالمؤسسات الاجتماعية في كنائسنا.
ح)
نشر
الكتاب المقدّس وسط العائلات وتشجيعها على قراءة كلمة الله يوميًا والتأمّل فيها
ضمن رعوية كتابية ملائمة.
ط)
تفعيل
الاهتمام بالنازحين ولاسيما السوريين منهم حيث هم.
ي)
العمل
بالقرار المتخذ من قبل مجلس كنائس الشرق الاوسط للترجمة المشتركة للصلاة الربية
وقانون الايمان النيقاوي، واعتمادها أقلّه في اللقاءات المشتركة للكنائس.
8. خاتمة
وإنّنا، في ختام
مؤتمرنا هذا، نسلِّم ذواتنا وكنائسنا، بمعاناتها ورجائها. إلى الله الآب، إله
الرحمة والسلام، وإلى الابن يسوع، المائت والقائم من الموت، وإلى الروح القدس الذي
يقدّس ويجدّد وجه الأرض. ونصلّي طالبين من الربّ أن يجعل من شهادتنا سراجاً في
ظلمات هذا العالم وخميراً في عجينه، فنبقى على هذه الأرض المباركة شهوداً لمحبّته،
نجدّد فيه ثقتنا وهو من يقول لنا "لا تخافوا أنا غلبت العالم".
وإذ نلتمس
لكنائسنا شفاعة العذراء مريم، ندعو المؤمنين في زمن المجيء الذي نعيش، الى
الاستعداد لاستقبال الإله المتجسّد على أرضه وأرضنا المشرقيّة هذه، مردّدين مع
الرعاة "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني
البشر" ومع صاحب الرؤيا "تعالَ أيّها الربّ يسوع".