Wednesday, 19 September 2012

حوار مع الأخت جوزبينا دِلاّريفا



مكان الميلاد: بولكا دي فستينا نوفا (فيرونا)
تاريخ الميلاد:   20/3/ 1937
س: إذكري بعض المقتطفات عن بداية دعوتك، الأشخاص والأحداث التي ساعدت في تنميتها وشعورك عندما تركتِ والديكِ وبلدتك للدخول في جمعية الراهبات الكومبونيات والدراسات التي حصلتِ عليها.
أنا الإبنة الأخيرة من 11 إخوة وأخوات، عشت طفولة جميلة جداً مع إخوتي وأخواتي على الرغم من الألام والصعوبات بسبب الحرب العالمية الثانية. إثنتان من أخواتي كانتا تستعدان للدخول في جمعية الراهبات الكومبونيات وهما: ( جايتانينا  وسانتينا). لم يدخل هذا الخبر الفرح إلى قلبي، بل بالعكس، أحزنني. وعندما إحتفلت أختي جايتانينا بالنذور الرهبانية، سألت الأم كارلا ترونسي التي كانت الرئيسة العامة في ذلك الوقت، سألت والدي: " كم بنت عندك؟ . " فقال لها: " ثمانية بنات" . فأجابته قائلة: " إذن، أربعة بنات للرب وأربعة للعالم". وكان عمري في ذلك الوقت إثنتي عشر سنة. فقلت أمام عائلتي: " ماذا تريد هذه الراهبة؟. أما والدي أجابها: " ألم يكفي أنني أعطيت إبنتي جايتانينا؟".
زاولت الدراسة حتى الرابعة الإبتدائية التي كانت أعلى مستوى للدراسة في ذلك الوقت . وبعد 6 سنين تقريباً ذهبت إلى ميلانو للعمل في مستشفى حيث كانت تعمل أختى الأكبر سيستر جايتانينا.
كنت شابة طائشة، أحب السينما وكنت أذهب كل مرة كان أحد الأصدقاء يهديني تذكرة الدخول لأنني كنت لا أريد صرف راتبي في هذه الأشياء لانه كان يجب علىَّ مساعدة عائلتي. ومع ذلك كنت أشعر بفقدان شئ وأن حياتي بهذه الطريقة لم تعطني شيئاً من الفرح. وتكلمت مع مرشدي الروحي عن شعوري وسألني إن كنت أرى أي علامة من علامات الدعوة ، أما أنا فقلت له ، من الممكن أن تكون فقط مجرد تجارب من الشيطان لأنني لم أكن أرى نفسي بين الراهبات، وحاولت المواجهة مع مختلف الكهنة الذين بأجمعهم تحدثوا معي عن إمكانية الدعوة الرهبانية وأنا كنت أجاوبهم بأنها تجارب شيطانية. لكن لم أكن أشعر بسلام داخلي. ثم رجعت إلى مرشدي الروحي  وكشفت له بكل صراحة عن حيرتي ، هل ما أشعر به هو دعوة أم تجربة؟ فأجابني، إنها تجربة وصرفني. أما أنا فإنصرفت غاضبة. كان الأمر واضحاً وكان يجب عليَّ أن أكتشف ما يريده الله مني.
تكلمت مع رئيسة الراهبات الكومبونيات بالمستشفى فسألتني إن كنت أشعر بالدعوة الرهبانية فقلت لها: لا تتدخلي في شؤون حياتي وإنتهزت الفرصة لأظهر لها كل العيوب التي رأيتها في الراهبات. وبعد قليل دخلت كنيسة لوريتو التابعة للمستشفى وصليت هناك طوال الليل، وطلبت من الله علامة إن كان فعلاً يريدني راهبة أم لا. وطلبت من العذراء مريم أن تساعدني. في تلك اللحظة لم أكن أفكر في أخواتي الراهبات ولكن شعرت برغبة شديدة في الذهاب إلى الشعب السوداني لأساعدهم. وأخيراً ذهبت إلى رئيسة الراهبات الكومبونيات وأفصحت لها عن خبرة الصلاة أثناء الليل وطلبت منها أن لا تقول شيئاً لأخواتي.
ثم شاركت في الإحتفال بالنذور الرهبانية لإحدى الراهبات الكومبونيات في بوتشنيجو. تأثرت من كلمات النذور ومن إجابة الكاهن خاصة هذه الكلمات: " إن حفظتِ هذا كله، أعدك بأن الله سيمنحك الحياة الأبدية". وتمنيت لو هذه الكلمات وُجِّهت إليَّ أنا شخصياً! وبعد عدة أشهر من الصراع الداخلي قررت الإنضمام إلى جمعية الراهبات الكومبونيات وكان ذلك في 15/10/ 1957 وأبرزت النذور الأولى في بوتشنيجو في 26/4/1960 .
س: هل لديك ذكريات من اليوم الأول للنذور؟
أتذكر وجود والدي وحماسه ووجود أخواتي، الراهبة جايتانينا  ودومينيكا التي كانت مبتدئة وأقارب آخرين أما أختي سانتينا لم تكن حاضرة لأنها كانت في إرسالية السودان منذ عام 1952 . في ذلك اليوم تذوقت معنى الكلمات" إن حفظتِ هذا كله، أعدك بأن الله سيمنحك الحياة الأبدية" لأن هذه المرة تلك الكلمات كانت موجَّهة لي أنا شخصياً.
س: أذكري الأماكن التي عملتي فيها ولحظات السعادة والألام خلال مسيرتك، من وماذا ساعدك لتخطي الصعوبات؟
بعد إبراز النذور ذهبت إلى لندن لدراسة الإنجليزية والتمريض وفي نفس الوقت كنت أساعد الراهبات هناك في مجالات مختلفة ثم رجعت إلى إيطاليا لعمل الإستعدادات اللازمة للسفر إلى مصر، وقبل السفر تواجدنا نحن الأربعة أخوات الراهبات في أسرتنا حسب ما وعدت الرئيسة العامة والدي. أتذكر فرحة والدي التي كانت تظهر على وجهه وفي عينيه لرؤيته بناته االراهبات الأربعة مجتمعات معاً في المنزل وقال بطريقة تلقائية: " الدير عندي في منزلي"
وصلت إلى القاهرة في 25/9/1961، بدأت رسالتي في سفارة الفاتيكان لمدة 11 سنة وفي عام 1972 رجعت إلى إيطاليا وقضيت سنة دراسية في مدرسة التمريض وعند عودتى إلى مصر ذهبت إلى المستشفى القبطي بالإسكندرية. وبعد 9 أشهر إنتقلت إلى المستشفى الإيطالي بالقاهرة والتي أعمل فيها حتى الآن. خلال كل هذه السنين عملت في أقسام مختلفة: الجراحة والولادة والحميات والباطنية.
أتذكر بسرور يوماً وصل إلى قسم الحميات رجل سوداني في غيبوبة كبدية، وأنا على مثال مؤسسي القديس دانيال كومبوني أحب السودانيين جداً. كنت ومازلت أشعر بحب خاص نحوهم، وعندما رأيته شعرت بفرح لخدمته. مكث في الغيبوبة لمد 20 يوماً وكانت حالته تسؤ يوماً بعد يوم وفُقِد الأمل في شفاءه. وكالعادة كنت أذهب إلى السكاكيني مع الراهبات للمشاركة في القداس مع السودانيين وبينما كنت أسمعهم يرنمون ويرقصون بفرح، طلبت من الله نعمة الشفاء لأخينا جوزيف حتى يشارك هو أيضاً مع إخته السودانيين ويفرح معهم بالقداس. وبعد أن رجعت إلى المستشفى، ذهبت إلى الغرفة التي كان يرقد فيها جوزيف وإندهشت عنما رأيته فاتحاً عينيه، حاولت إغلاقهما ولكنه كان يفتحها ناظراً إليَّ ثم أعطيته قليل من اللبن فشربه ببطء . مكثت بجواره بضع ساعات ثم تركته تحت رعاية الممرضات وفي الصباح كان فعلاً قد أفاق من الغيبوبة وتحسنت حالته وتكلم معنا وأكل بتذوُّق.
س: كيف تقيمين الطريق الذي بدأتِه بعد مرور سنوات منذ شبابك، وما هي الذكريات والحنين إلى بلدتك وما يربطك بها حتى الآن؟
إلى الآن أنا سعيدة وكلي عرفان لله الذي وهبني نعمة الدعوة الرسولية الكومبونية وعلى مثال مؤسسي، القديس دانيال كومبوني أريد أن يكون لي ألف حياة لأضعها لخدمته ولخدمة الرسالة. ما أتذكره من بلدتي، أتذكرالجبال الجميلة والناس الذين شاركتهم حياتهم منذ بداية حياتي. وما يربطني بهم حتى الآن هو حنان الأسرة والأصدقاء والجماعة المسيحية هناك.
س: ما هي الرسالة التي تريدين أن تتركينها خصوصاً للشباب الذين يتفتحون على الحياة والذين يسألون ما هو الشيء الذي من أجله يبذلون حياتهم؟
أن لا يخافوا وأن يثقوا بالله لأنه هو إمتلاءنا ومع الله لا مجال للخوف.
الأخت جوزبينا دِلاّ ريفا

No comments:

Post a Comment